في أعماق التاريخ، حيث تتداخل الحقيقة بالأسطورة، وتُحكى الحكايات التي تقشعر لها الأبدان…
يظهر اسم نبي غامض، لا يعرفه إلا القليلون، نبي وقف أمام آلاف العظام اليابسة في وادٍ مهجور، ثم بأمر الله، شاهدها تعود إلى الحياة أمام عينيه!
اسمه في الإسلام: حزقيال عليه السلام
ويُقال أيضًا أنه هو ذو الكفل عليه السلام في بعض الأقوال.
فمن يكون هذا الرجل العجيب؟
ولماذا أحياه الله في زمنٍ منسي؟
وكيف اختلفت عنه الروايات بين القرآن والتوراة والإنجيل؟
في زمنٍ بعيد، بعد أن تاه بنو إسرائيل في الأرض، وعصوا أنبياءهم مرارًا، وذاقوا مرارة التيه والشتات، وُلد نبي لا يعرفه كثيرون، لكنه شهد من أعظم مشاهد القدرة الإلهية… نبيٌ وقف في وادٍ مليء بالعظام اليابسة، ورأى بأمّ عينيه كيف يُحيي الله الموتى!
إنه حزقيال عليه السلام، ويُقال في بعض الروايات الإسلامية إنه هو نفسه ذو الكفل عليه السلام، أحد الأنبياء الذين صبروا في تبليغ رسالة الله، وظلّوا ثابتين في وجه الجحود والعناد.
أرسله الله إلى بني إسرائيل في زمنٍ عصيب، بعد أن انهارت قواهم، وتفرّق شملهم، وانتشر فيهم الطغيان. ومع كل ذلك، لم يكن حزقيال نبيًا عاديًا، بل كان شاهدًا على معجزة خارقة لن تكرر حتى يوم القيامة.
القصة تبدأ حين خرجت جماعة كبيرة من بني إسرائيل من ديارهم هربًا من الطاعون، فرّوا طلبًا للحياة، لكنهم في الواقع كانوا يفرون من قدر الله. نزل عليهم الموت فجأة في مكانٍ موحش، وامتلأ الوادي بأجسادهم… حتى بليت وتحولت إلى عظام متناثرة.
سنوات طويلة مضت، ثم مرّ نبي الله حزقيال بذلك المكان، وكان يتأمل العظام البالية، فأتاه وحي من ربه أن يدعو الله ليُريه كيف يُحيي الموتى. رفع حزقيال يديه، فبدأت المعجزة.
العظام تتحرك… تتصل ببعضها… تتماسك… ثم تكسوها عضلات ولحوم… ثم جلود… حتى دبت فيها الحياة، وقامت الأجساد من جديد كأنها لم تمت قط!
رأى حزقيال بعينه قيام الموتى، لا مجازًا… بل حقيقة.
شهد قدرة الله التي لا تحدها قوانين البشر، وشهد كيف أن أمرًا من الله “كن” يكفي لتحويل الموت إلى حياة.
وقد ورد ذكر هذه القصة العجيبة في القرآن الكريم دون ذكر اسم النبي، لكن أغلب المفسرين ذكروا أن المقصود هو حزقيال عليه السلام:
“ألم ترَ إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا، ثم أحياهم”
(سورة البقرة: 243)
شخصية حزقيال عليه السلام بقيت محاطة بالغموض حتى اليوم. لم يُذكر اسمه في القرآن الكريم صراحة، ولكن بعض الأقوال ربطته بالنبي “ذو الكفل”، الذي ورد في قوله تعالى:
“وإسماعيل وإدريس وذا الكفل، كل من الصابرين”
(سورة الأنبياء: 85)
بينما في الكتب اليهودية، فإن حزقيال هو نبي عظيم، له سفر كامل يُسمى “سفر حزقيال” في العهد القديم، يحكي فيه عن رؤى وأحداث خارقة، منها ذات القصة: إحياء الموتى في وادٍ يُسمى “وادي العظام اليابسة”.
وفي هذا السفر يصف حزقيال كيف أراه الله مشهدًا مروعًا لعظام لا تُعد ولا تُحصى، ويصف كيف قال له الله: “هل تحيا هذه العظام؟”
فقال: “يا رب، أنت تعلم.”
فأمره الله أن ينادي عليها، ثم بدأت تعود للحياة، واحدة تلو الأخرى.
اليهود يقدسون حزقيال، ويزعمون أن قبره يقع في العراق، وتحديدًا قرب مدينة الحلة، ويُعتقد أن المكان كان يُزار لقرون طويلة، من قِبل المسلمين واليهود على حدٍ سواء.
أما في المسيحية، فإن حزقيال يُعتبر نبيًا ورائيًا، بمعنى أنه كان يرى رؤى غيبية عن نهاية العالم، ويُعتقد أن نبوءاته تحتوي إشارات رمزية عن البعث والحساب، ما جعله من أكثر الأنبياء إثارة للجدل والتأويل في كتبهم.
لكن الإسلام يقدمه لنا نبيًا مخلصًا، صابرًا، محاطًا بالغموض، لم يذكره القرآن باسمه، ولم تفصّل السنّة في قصته كثيرًا، لكن ما بقي من أثره يكفي ليهزّ القلوب.
فمن منا اليوم يستطيع أن يتخيل مشهد قيام الآلاف من الموتى أمامه؟
ومن منا يمكن أن يقف بثبات، وسط وادٍ من الهلاك، ليشهد كيف تصنع القدرة الإلهية الحياة من العدم؟
إنها ليست مجرد قصة…
إنها درس خالد:
أن من هرب من قضاء الله وقع فيه.
وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وأن الإيمان، حين يملأ القلب، يمكن أن يجعل الإنسان يرى ما لا يراه غيره.
حزقيال عليه السلام، أو ذو الكفل… أياً كان اسمه، فإن رسالته لا تزال حيّة، تروي للأجيال أن الله وحده هو القادر على إحياء الموتى بعد فنائهم، وبيده وحده مقاليد السماوات والأرض.
قصة تذكّرنا بأن من فرّ من قدر الله وقع فيه، وأن الموت لا يهرب منه أحد، وأن لا ملجأ ولا منجى إلا إليه.
وأن من صدّق بقلبه أن الله يحيي العظام وهي رميم، لن يخشى ظلمة القبر، ولا رهبة يوم البعث.
فسبحان الحي الذي لا يموت…
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.